دعم الموسوعة:
Menu
Category: سلسلة الشرايع
Editor: شيخ حسن رضا الغديري
Pages: 71
ISBN: 9781908286321
Library: مكتبة الإمام الحسين الخاصة - لندن
Location: مركز الحسيني للدراسات - لندن
Year: 2005

Hits: 8325

Lent status: Available

Availability: 0/0

  / 0
PoorBest 

Review

شریعة التکلیف بین الاجتهاد والمؤسسة المرجعیة

 

ما من إنسان من ذکر أو أنثى إلا ویقف أمام المرآة قبل ان یعزم على الخروج إلا ما قل، لضمان تطابق مظهره الخارجی مع ما یرغب الخروج به على الناس، فیحسن من مظهره ویشذب به، وهی حالة فطریة یتحسسها الإنسان بغض النظر عن ما یحمله من علم کبر حجمه أو صغر.

وهذا الإنسان إذا ما اعترته مشکلة قانونیة فی حیاته الیومیة فانه یلجأ بصورة طبیعیة الى المحامی بوصفه الرجل الواقف على القانون ومداخله واعرف به، فیضع سره عند رجل القانون لیخرجه مما هو فیه من مشکلة.

وهاتان الصورتان من الممارسة العملیة لبنی البشر، تشبهان الى حد کبیر تعاطی الإنسان مع ما أملته السماء على المخلوق من عبادات وفق القاعدة القرآنیة: (وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون) سورة الذاریات: 56، فالإنسان البالغ الراشد من الجنسین، کما هو یستخدم المرآة فانه تواق الى ان تتطابق أعماله من عبادات ومعاملات مع ما جاءت به کتب السماء بوصفها المرآة الصافیة التی تعکس الواقع الشرعی، فیکون من شأن الإنسان توخی الدقة فی التعاطی مع تعالیم السماء أو الاقتراب منها ما أمکنه ذلک سبیلا. ومن الطبیعی فان هذا الإنسان لانشغاله بتصریف شؤون حیاته الشخصیة والمنزلیة والاجتماعیة، لا یمکنه الوقوف على تفاصیل وجزئیات تعالیم السماء، لان الواقفین قلة قلیلة، قال تعالى: (فلولا نفر من کل فرقة منهم طائفة لیتفقهوا فی الدین..) سورة التوبة: 122، فلذلک فان حاجته الى معرفة التعالیم فیما یبتلى به کحاجته الى رجل القانون، ولذلک لا غنى للبالغ الراشد فی معاملاته وعباداته عن رجل الشریعة بوصفه الرجل الواقف على تفاصیل فقه الدین من معاملات وعبادات، ومن هنا جاء تقلید عموم الناس للفقیه، لان التکلیف یحتم علیهم معرفة الأحکام الشرعیة والاحتکام إلیها، والناس فی هذه المسألة الحساسة على طبقات فإما ان یکون الإنسان مجتهدا یلجأ الناس إلیه فی فتاواهم وهم القلة القلیلة، وإما ان یکون محتاطا بحیث وصل مرحلة من العلم لا یحتاج الى فقیه ویعمل بما یراه صائبا فی مواقع الاجتهاد وهؤلاء فی العلماء قلة، وإما ان یکون من المقلِّدة (بکسر اللام) وهم الکثرة الکثیرة، أو ان یتطابق فعله التکلیفی مع الواقع الشرعی.

هذه المسألة المصیریة فی حیاة کل إنسان وبخاصة المسلم، یتناولها الفقیه آیة الله الشیخ محمد صادق محمد الکرباسی فی کتاب "شریعة التکلیف .. الطریق الى معرفة أحکام التکلیف" الصادر عن بیت العلم للنابهین فی بیروت، فی 72 صفحة من القطع الصغیر، مع تقدیم وتعلیق بقلم القاضی آیة الله الشیخ حسن الغدیری.

• علاقات وأحکام

یرتبط الإنسان وهو فی رحم الحیاة بمشیمة سداسیة الشعب، لا ینفک عنها، ولکل شعبة قوانینها وأحکامها، ینبغی التعامل معها بما یلیق به کانسان استخلفه الله فی الأرض واستأمنه الأمانة التی عجزت عن حملها السماوات والأرض والجبال وأشفقن منها، وهذه العلاقات لا تخرج عن واحدة من ست منفردة أو مجتمعة، کما یؤکد الفقیه الکرباسی: "علاقته بالله جل وعلا (علاقة المخلوق بالخالق)، وعلاقته بنفسه (العلاقة الذاتیة)، وعلاقته بالفرد الآخر (علاقة النظیر بالنظیر)، وعلاقته بالمجتمع (علاقة الأسرة الکبیرة فیما بین أفرادها)، وعلاقته بالدولة (علاقة المحکوم بمؤسسة الحاکمین)، وعلاقته بکل ما حوله (علاقة الفرد بالبیئة)".

ولا شک ان التوازن بین هذه العلاقات، تقود الفرد والمجتمع الى سلم الرقی والنهوض المدنی والحضاری، وتخلق شبکة من العلاقات الحمیمة بین المجتمعات المدنیة بما یخدم الأرض والبشریة ویؤسس لعلاقات طیبة ونهضة علمیة وعمرانیة للأجیال القادمة، لان معرفة الأحکام والقوانین فی کل واحدة من هذه العلاقات یمهد الطریق أمام المعرفة الکاملة بالحقوق والواجبات بما لا یجعل کفة تمیل بالضد من الکفة الأخرى، ویجعل الإنسان کفرد والإنسان کأمة على معرفة تامة بمآلات السماء الراعیة لبنی البشر بما فیه خیرهم فی الدارین، ویعبّد الطریق أمام قیام دولة العدل الإلهیة الموعودة.

وقیاس نجاح الأمة ورجاحة عقول أبنائها تقاس بمدى رعایتها للقوانین والأحکام التی تبانى على إقامتها وتطبیقها عقلاء الأمة من رجال دین أو قانون، لان النجاح یساق بالنظام والنظام توأم القانون، بغض النظر عن طبیعة القانون مدنیا کان أو شرعیا، لان القانون فی اصل وضعه یتوسم مصلحة الإنسان والأمة. والتشریع الأسلم هو الذی یتجرد فیه واضعه عن کل مصلحة ذاتیة، ولا أسلم من التشریع الإسلامی المنزل من رب السماء الذی خلق عباده لیزرعوا الأرض بالخیر ویحصدوا جناته وحیاة أبدیة لا لغو فیها ولا نصب.

• التکلیف والمکلف

ویشکل کتاب "شریعة التکلیف" باکورة (سلسلة الشرائع) التی یتولى الفقیه الکرباسی فیها: "تبیان الأحکام الإسلامیة التی کانت ثلة کبیرة وبالأخص فی الغرب بحاجة إلیها، بعد ان اختلفت المقاییس، أعنی مقاییس الفهم والوعی، ومقاییس التفهیم، ومقاییس التقبل، الى جانب مقاییس أخرى"، ولذلک جاء هذا الکتاب والکتب التی ستصدر تباعا لیضع النقاط على الحروف ویقدم خطوطا عریضة لفهم التکالیف الشرعیة، وما أوحى الى الشیخ الکرباسی هذه السلسلة بعد عقدین من الإقامة فی المملکة المتحدة: "عدم وضوح الکثیر من المسائل الإسلامیة على عامة الناس من الجنسین وحتى المتعلمین منهم، وکثرة الأسئلة الواردة علینا من خلال المکالمات الهاتفیة والتی تصب فی باب السؤال عن أحکام الإسلام فی الموضوعات المختلفة والمتنوعة". وبخاصة وان هناک مستحدثات ومستجدات فی باب الفقه لا یستطیع الفقیه الجالس فی الحواضر العلمیة فی العراق أو إیران أو مصر أو الحجاز أو غیرها البت فیها بتمام مسائلها إلا بالوقوف علیها ودراستها من کل جانب، وهذا لا یکون إلا بالإحاطة الدقیقة کأن ینتقل الفقهاء الى بلدان المهاجر الغربیة أو تمتد جسور المعرفة الفقهیة بین المهاجر والحواضر الفقهیة عبر قنوات فاعلة حرکیة وأمینة، إذ لا یکفى للوسیط العمة والجبة لتحقیق آلیة الوساطة بین الحاضرة الفقهیة والمهجر، إذا لم یحتک الوسیط بالمجتمع الغربی ویقرأ مجریات حوادثه الیومیة (وقلیل ما هم!!)، فیکون صادقا وأمینا فی نقل الصورة أو المسألة الفقهیة الى الفقیه الجامع لشرائط التقلید حتى یتلقى السائل الجواب الشافی، هذا إذا انعدم فی المهجر الفقیه الجامع للشرائط.

وکما هو سائد فی الأعراف القانونیة والتشریعیة أن التکلیف یقع على البالغ، لان مدار الثواب والعقاب هو الرشد المتعکز على العقل والإدراک، ثم: "وبالبلوغ تتم عملیة التحول الى مرحلة النضج التی یترافق معها النماء والعطاء"، من هنا کما یقرر الفقیه الکرباسی فان: "التکلیف والبلوغ أمران متوازیان مترابطان، بینما التکلیف والعقل أمران مترتبان متسلسلان، فلا تکلیف بدون عقل، بل التکلیف یرتبط بالعقل أولا وبالبلوغ ثانیا".

• عقیدة بلا تقلید

وهذا التکلیف لیس تحمیلا تعجیزیا للبشر بل هو بما ینفعهم فی دنیاهم وأخراهم، ولذا فان: "سبل براءة الذمة شرعا وعقلا تنحصر فی أربعة طرق: الاجتهاد، التقلید، الاحتیاط، التطابق"، والتقلید لا یقع فی المسائل العقائدیة، لان معرفتها تتم عبر العقل، نعم: "یجوز فهم المسائل العقائدیة عبر التعلّم، ولکن القرار یجب ان یکون معتمدا على استنتاجات الشخص نفسه، فلا یجوز التقلید – أی مجرد التبعیة- فی ذلک، لأنه لا یعبر عن رأیه وقناعاته، کما لا یجوز العمل بالاحتیاط، لان مؤاده الشک، ولا یجوز سلوک غیره من السبل أیضا"، ویعلق الفقیه الغدیری على هذه المسألة بالقول أن: "الجاهل المحض الذی لا یقدر على الاجتهاد ولو بالشکل البسیط فیعتمد على رأی العالم فیعتبر رأیه رأیه، وقناعته قناعته، ولا یعد ذلک تقلیدا بالمعنى المصطلح علیه"، ولکن لا غنى للآباء من طرق أبواب عقول أبنائهم فی المسائل العقائدیة وتحفیزها حتى یلج الجیل الناشئ باحة المرحلة الجدیدة من حیاتهم برصید عال من الثقة والإیمان، ولذلک یعتقد الفقیه الکرباسی ان: "على الأولیاء مناقشة أولادهم فی المسائل العقائدیة، لیتمکنوا من اختیار عقیدتهم بأنفسهم، وعلیهم مساعدتهم فی النقاش والحوار"، وفی غیرها من المسائل فان: "على الأولیاء تمرین أولادهم قبل البلوغ على القیام بالواجبات، وحثهم على اجتناب المحرمات".

ولما کان البلوغ انتقالة الى مرحلة عمریة متقدمة، ومن اللاأبالیة الى المسؤولیة، فان الفقیه الکرباسی یعتبر ان: "الاحتفال بیوم التکلیف جائز، بل لا یبعد استحبابه لما فیه تشجیع للالتزام بالدین، شرط ان لا یُستخدم فیه المحرمات"، وهذا الفهم المتقدم للشریعة الإسلامیة یخالف البعض من الذین أوقفوا عجلة الشریعة وتحجروا على مقولات بعض السلف ولم یلحظوا المصلحة العامة ولا تطورات الزمن ولا مقومات المکان والبیئة، والأخیرة تدخل ضمن علاقة الإنسان بالبیئة والتی یرکز علیها الفقیه الکرباسی لأنها تفتح الکثیر من المغالیق الفقهیة، لاسیما وان الحکم الشرعی لا یخرج عن أن یکون واجبا لا مجال لترکه أو حراما لا یجوز القیام به أو مستحبا یحبب الإتیان به ولیس فیه إلزام أو مکروها یحبب ترکه ولیس فیه إلزام أو مباحا متروک أمره للمکلف العمل به أو ترکه، وأکثر الأحکام المستجدة تقع فی دائرة المباحات أو منطقة الفراغ الفقهی المتروک أمرها للفقیه البت فیها ضمن سیاقات البیئة الزمانیة والمکانیة، بناءاً على مرتکزات ومبان فقهیة قویمة، على إن للعرف مدخلیة کبیرة فی الاجتهاد.

• الاجتهاد مسؤولیة

یقع الاجتهاد فی کل منحى من مناحی الحیاة، وهو أمر محبوب فی ذاته، والاختصاص فی أیة مهنة أو علم یعد واحدا من مصادیق الاجتهاد، لکن الاجتهاد الفقهی هو المصداق الأکبر للاجتهاد، باعتبار ان الفقه یدخل فی العلاقات الست مدخل الدم فی الشرایین، ومؤدى الاجتهاد: "الوصول الى الأحکام الشرعیة عبر الأدلة الشرعیة والتی أهمها القرآن الکریم والسنة الشریفة بشروطها"، وعند الفقیه الکرباسی ان التقلید یقع عند العسر والحرج، لکون: "الاجتهاد هو الأصل فی الوصول الى الأحکام الشرعیة، فمن کان قادراً على الإجتهاد یتعین علیه ذلک"، أی أن الأصل فی إبراء الذمة فی أی تکلیف شرعی هو الإجتهاد.

ولما کان الاجتهاد صنو المسؤولیة، فانه: "لا یحق للمجتهد الذی لم تتحقق فیه الشروط الأساسیة أن یتحمل أیة مسؤولیة عامة یشترط فیها الاجتهاد کالقضاء مثلا"، لان الاجتهاد ولو کان جزئیا فی المجال الذی یتولى فیه المسؤولیة هی شرط أساس فی تولى الأمور العامة التی فیها مصالح الناس من دماء وأعراض وأموال، وهذا الشرط الذی غاب عن کثیر من أنصاف الفقهاء والمتفیقهین هو الذی جلب ویجلب الدمار الى الشعوب عبر المحاکم الشرعیة غیر المنضبطة التی یتولاها صغار طلبة العلوم الدینیة هنا وهناک، وهؤلاء أولى بسوقهم مخفورین الى المحاکم الشرعیة المسؤولة کمدانین وحسب تعبیر الفقیه الغدیری: "إذا قام بتولّی الأمور من دون وجدان الشرائط فقد أثم، ویتحمل وزر من یتولّى أمره، ویعاقب بأشد العقاب لکونه ضالاً ومضلاً".

من هنا یرى الفقیه الکرباسی أن: "مَن لیس أهلاً للفتوى یُحرّم علیه الإفتاء، بمعنى عدم جواز العمل على تقلیده، کما لا یجوز لنفسه العمل برأیه، أما مجرد إبداء رأیه أو استنتاجاته فلا إشکال فیه"، وهذه مسألة على جانب کبیر من الخطورة، لان البعض من طلبة العلوم الدینیة الذی لم یبلغ الحلم الفقهی أجاز لنفسه الإفتاء وتذییل الفتوى بختمه واسمه مستغلا جهل السائلین وعواطفهم غیر المنضبطة، فاستخف المفتى قومه فأطاعوه، وبعضهم قفز على سطح المرجعیة دون أن یرتقی سلمها بتؤدة، وبعضهم أعطى لنفسه مکانة قریبة من مکانة الإمام المعصوم، فضاع وأضاع تابعیه!، ولهذا فعند الکرباسی ان: "العمل بمقتضى فتوى مَن لیس بمجتهد لا یجوز وباطل"، کما ان: "التحاکم عند غیر المجتهد للأخذ برأیه حرام".

وبتقدیر الکرباسی ان: "الاجتهاد لا یرتبط بلبس زی خاص، ولا یقید بمکان خاص، ولا التخرج من مجمّع دراسی خاص، أو التتلمذ على شخصیة معینة، أو التزود بشهادة معینة"، ولا یعنی ترک الأمور سائبة لأن من طرق إثبات الاجتهاد: "أن یکون الشخص الذی یُراد تقلیده یحمل شهادة اجتهاد من مجتهد جامع للشرائط، مسلّم باجتهاده، شرط أن تکون شهادته عن درایة"، کما ان الأعم الأغلب یرى شرط الذکورة فی الفقیه الجامع لشرائط التقلید، لکن الفقیه الکرباسی على خلاف ذلک یرى انه: "إذا استوفت المرأة الشروط السابقة الذکر، ولم تکن مغلوبة على أمرها لا دلیل على عدم جواز تقلیدها، وربما اشترطنا ذلک فی مقام المرجعیة"، ولذلک فان: "المرأة تقلد المرأة، وفی تقلید الذکور لها ربما قلنا بالاحتیاط"، أی بتعبیر الشیخ الغدیری: "مستندا الى العرف الخاص، إذ لا دلیل یمنع عنه، فمع ذلک کله فالاحتیاط یقتضی تطبیق ما ذهب إلیه عرف المتشرعة المستندة الى أصول قویمة وأدلة سلیمة دون الاستحسانات المزعومة".

کما ان المرجعیة هی رتبة أعلى من الاجتهاد لتحقق الاجتهاد العام فیها دون الجزئی، ولکن المرجعیة العلیا: "تتحقق لمن امتلک الشروط مع انتخاب الأمة له ولو عبر کثرة المقلدین له، بمعنى أن نسبة المقلدین إذا کانت أکثر من النصف – بین الشرائح المقلدة عامة – بالنسبة الى المراجع الآخرین، فیمکن اعتباره المرجع الأعلى". أی أن یکون المرجع الأعلى اعلم المراجع ولکن مع هذا التقدیر فان تحقق الأعلمیة أمر فی غایة الصعوبة وهو اقرب للاستحالة، لإمکان تحقق الأعلمیة فی أکثر من فقیه فی أکثر من مکان وفی زمان واحد، ولهذا فعند الکرباسی: "من الصعب جدا ثبوت أعلمیة مجتهد من بین جمیع المجتهدین فی کل مکان، بل هو الى الاستحالة أقرب"، ولذلک فانه یتبنى فکرة إقامة مؤسسة مرجعیة لإدارة شؤون المسلمین. على أن: "التقلید یجب أن لا یخضع للانتماءات القومیة أو العرقیة أو ما شابه ذلک"، أی أن: "المرجعیة لیست حکرا على قومیة معینة" کما هو الحاصل فی بعض المرجعیات فی یومنا هذا ومن قبل تقریبا، کما انه: "یجب المحافظة على استقلالیة منصب المرجعیة عن الأنظمة، لتکون القرارات الصادرة عنها حرة ونزیهة، إلا إذا کان النظام خاضعا لفتواه، وهو مرشد له، شرط عدم التأثیر علیه"، باعتبار ان المشار علیهم من أصحاب الاختصاص وأهل الحل والعقد، کما ان: "على المرجع الاستشارة قبل الإفتاء فی الأمور ذات الطابع الاجتماعی أو الإختصاصی"، کما أن: "المرجعیة لیست وراثیة" کما هو الحاصل الیوم عند بعضها، حیث تتوارث المرجعیة حتى وان کان المعنی لم یبلغ درجة الاجتهاد ناهیک عن الاجتهاد المطلق الذی یکون فیه مجتهدا فی جمیع المبانی الفقهیة والأصولیة والرجالیة، وإذا کان التقلید ساحة رحمة فتحها الله لعباده، فإنها تصبح ساحة لعب ونقمة إذا تحزّب البعض لهذا الفقیه أو ذاک أو قام بالترویج لهذه المرجعیة أو تلک بالأسالیب البعیدة عن التقوى وتزکیة النفس، وهو ما وقع ویقع فی کل مرحلة بخاصة إذا مات مرجع یشار له بالبنان، فیصادر من الأمة رأیها وعزمها ویخضعها لمؤثرات قد تبتعد عن الواقع الفقهی.

فی حقیقة الأمر ان التکلیف تشریعیا على قدر کبیر من الخطورة والأهمیة، کونه آلیة حتمیة لتنظیم عمل الإنسان، وبما یحقق الانسجام التام بین العلاقات الست التی یتبنى الفقیه الکرباسی تأطیر تشریعاتها لصالح مجموع البشریة.