دعم الموسوعة:
Menu
Category: كتب استخرجت من الموسوعة
Editor: أم زهراء الحاج حسن
Pages: 128
Price: مجاناً للقراءة فقط
ISBN: ISBN: 9781908286079
Library: مكتبة الإمام الحسين الخاصة - لندن
Location: بيت العلم للنابهين، بيروت - لبنان
Year: 2005

Hits: 9352

Lent status: Available

Availability: 0/0

 5 / 1
PoorBest 

Review

هکذا ینبغی أن تکون حواء المثالیة

یوزن الانسان بمواقفه فی الشدائد والملمات، ولا یوزن بجسمه أو حسبه ونسبه، فتلک عوامل فرعیة، قد تؤثر فی سلوک الانسان سلبا أو إیجابا، ولکن المرء بما هو وبما یفرزه سلوکه تجاه نفسه والدوائر المجتمعیة المحیطة به، من العائلة الى العشیرة الى المجتمع الى الأمة الى البشریة، فکلما کان معترفا بقدر نفسه، محترما لها، وکلما کان قریبا من مراکز الدوائر مؤثرا على نفسه حتى وإن کان لا یملک إلا کلمة حق یقولها أو صدق ینطقها، فکلما ترقّى الى سماء القیم الخالدة وطال سهیلها.

وإذا صدرت مثل هذه المواقف من امرأة، مکتنزة العاطفة، خبرت الحیاة حلوها ومرها، غادر عنها زوجها وفی حضنها ایتام لم یبلغ بعضهم الحلم، فان قیمة مثل هذه المرأة فی سوق المکارم أکبر من أن تثّمن، وکیف یمکن تثمین إمرأة صابرة محتسبة، فقدت زوجها بسیف الخارجی، ثم فقدت أربعا من أولادها وعددا من أحفادها، فی معرکة غیر متکافئة، طالتهم ید الغدر والعدوان وهم فی الشهر الحرام، بل إنها فقدت سیدها بعد زوجها وحبیبها وحبیب قلوب أهل الأرضین والسموات.

تلک هی شخصیة السیدة فاطمة بن حرام (حزام) الکلابیة المشهورة بأم البنین، حرم الامام علی بن أبی طالب (ع)، ووالدة أبنائه الأربعة العباس وجعفر وعبد الله وعثمان، الذین قضوا جمیعا شهداء فی کربلاء المقدسة بین یدی أخیهم سبط النبی الأکرم (ص) وسید شباب أهل الجنة الامام الحسین بن علی (ع).

هذه الشخصیة النسائیة القلیلة الندرة فی عالم حواء من قبل ومن بعد، والتی دخلت بیت علی (ع) بعد أیام من فقده فاطمة الزهراء (ع)، التقطت الکاتبة أم زهراء الحاج حسن، لآلىءَ أخبارها المنتثرة بین طیات أجزاء من دائرة المعارف الحسینیة لمؤلفها البحاثة الدکتور الشیخ محمد صادق الکرباسی، فنضدتها فی عقد جمیل حمل عنوان "لبوة العرین وأشبال أم البنین"، صدر عن بیت العلم للنابهین فی بیروت، فی 128 صفحة من القطع المتوسط، وتکون بذلک قد سهّلت على القارئ، الإطلاع على سیرة أم البنین ومحطات من حیاة أبنائها الأربعة، دون الرجوع الى أجزاء الموسوعة وتسقّط أنبائها.

وکان لاختیار هذا العنوان مغزاه الظریف ووقعه الحسن، فاللبوة هی أنثى الأسد، ومن أسماء زوجها علی (ع) حیدرة وهو من أسماء الأسد، أشهره فی معرکة الخندق (الأحزاب)، فی وجه فارس المشرکین عمرو بن عبد ود العامری، عندما تصدى له مرتجزا:

أنا الذی سمّتنی أمّی حیدره       کلیث غابات شدید قسوره

ومن ألقابه التی اشتهر بها "أسد الله الغالب"، واشتهر بـ "لیث العرین" الذی وصفه به معاویة بن أبی سفیان فی معرکة صفین، مرتجزا فی قومه مؤلبا على خلیفة المسلمین:

أتاکم الکاشر عن أنیابه       لیث العرین جاء فی أصحابه

والشبل هو ولید اللیث واللبوة، وهذه الأسماء الثلاثة دالة کلها على القوة والشهامة، فجاء عنوان الکتاب اسماً على مسمى.

ولکن مَن هی أم البنین؟ ومن أین جاءت الکنیة؟ وما علاقتها بأم البنین التی ذکرها صاحب المعلقة، لبید بن ربیعة العامری (ت 41 هـ)، مخاطبا ملک الحیرة النعمان بن المنذر (نحو 15 ق. هـ):

نحن بنی أم البنین الأربعة          الضاربون الهام وسط المجمعة

والمطعمون الجفنة المدعدعة      ونحن خیر عامر بن صعصعة

هذه الأسئلة وغیرها، یجیب علیها المحقق الکرباسی تحت عنوان "فاطمة بنت حرام الکلابیة"، فهی فاطمة بنت حرام (حزام) بن (خالد) بن ربیعة بن عامر (الوحید) بن کلاب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة، المولودة فی السنة 4 قبل الهجرة والمتوفاة فی العام 64 هـ، کما یذهب الى ذلک المصنف، واشتهرت بأم البنین وقیل إن اسمها (وایسی) وعرفت بفاطمة، وتنتمی ولبید الشاعر الى جد واحد، وأم البنین المشارة فی شعر لبید، فهی جدته من أبیه وجدّتها من أمه.

وجاء زواج علی (ع) من السیدة الجلیلة أم البنین، بتوصیة من نسّابة العرب فی حینه، أخیه عقیل بن أبی طالب، بعد أن طلب منه الامام علی (ع) أن ینظر له فی: "إمرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لی غلاماً فارساً"، فأولدت له أربعة فرسان، على رأسهم العباس الذی شارک أباه فی معرکة صفین وهو فی مقتبل العمر، وحمل رایة أخیه الامام الحسین (ع) فی معرکة الطف وهو فی العقد الخامس من عمره، ومن هنا جاءت کنیتها بأم البنین على أکثر الأقوال شهرة.

وینطلق المصنف من موضوعة اقتران اللیث باللبوة، لعرض خارطة بالزیجات التی عقدها الامام علی (ع) من بعد رحیل فاطمة الزهراء (ع)، وبیان عدد أولاده، ووضع ذلک کله فی جدول، تفرد به المصنف بعد تحقیق فی أمات کتب التاریخ والسیر، أتى على اسم الزوجة وتاریخ ولادتها ونکاحها ووفاتها وما عقّبت من بنین.

وتحت عنوان "أشبال العرین العلوی من اللبوة أم البنین" تنقل المعدة شذرات من سیر أولاد علی (ع) من فاطمة الکلابیة، وهم على التوالی: العباس المولود فی العام 18 هـ، وجعفر المولود فی العام 31 هـ، وعبد الله المولود فی العام 35 هـ، وعثمان المولود فی العام 39 هـ. ولما کان الشبل العباس بن علی (ع) هو البکر لأم البنین، وعلى ولادته انعقد اصل الزواج بین اللیث واللبوة، وهو حامل لواء الامام الحسین (ع) فی واقعة الطف، وهو ممن ترک عقباً من بعده، فان الکتاب استغرق أکثر فی تناول شخصیة العباس، الذی سماه أبوه على اسم عمّه العباس بن عبد المطلب، فکانت کنیته أبا الفضل نسبة الى ابنه البکر کما کنیة ابن عبد المطلب نسبة الى بکره الفضل. وشیء جمیل أن یکون کأبیه یحمل اسمه أوصاف الأسد، فعباس هو الأسد الغاضب، وکان العباس کذلک، لا تأخذه فی الحق لومة لائم، غاضب فی سبیل الرسالة وفی سبیل نصرة أهل بیت الرسالة المحمدیة، فاستحق وسام الشهادة والمکانة التی فیها شهید مؤته جعفر الطیار، یقول ابن أخیه الامام علی بن الحسین (ع): "رحم الله – عمی – العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت یداه، فأبدله الله عز وجل بهما جناحین یطیر بهما مع الملائکة فی الجنة، کما جعل لجعفر بن أبی طالب، وإن للعباس عند الله تبارک وتعالى منزلة یغبطه بها جمیع الشهداء یوم القیامة"، وأکرم بها من منزلة عظیمة، فالعباس بن علی (ع)، کما یقول الکرباسی: "ارتضع من ثدی البسالة وتربى فی حضن الإمامة ونشأ فی بیئة المعرفة واستشهد فی معرکة الکرامة وهو أبو الفضل والشهامة".

ویستظهر المصنف، من خلال الروایة التی تشیر الى اشتراک العباس فی معرکة صفین، أن یکون من موالید العام 18 هجریة، على خلاف بعض المصادر التاریخیة التی تشیر الى العام 26 هجریة.

ولا یفوت المصنف، وهو یشیر الى العباس وأخوته مستعرضا بعض الروایات والقصص، أن ینتقد بعض الکتاب المتأخرین الذی یقدمون العاطفة الجیّاشة على الواقع عند سرد الروایات، وینسجون قصصا، إما أن تکون من وحی الخیال أو لسان الحال دون أن یشیروا الى ذلک، او أنها غیر موثقة، أو أن تکون من المسموعات التی یردد الخطباء بعضها دون تمحیص او توثیق، او أنها خلیط هجین من الحقیقة والخیال، وهذه وغیرها، مما یخلق انطباعا مغلوطا لدى القارئ، ینعکس سلبا على ثقافته التاریخیة، فضلا عن حصول شبهة التقوّل على الامام المعصوم.

ویتطرق المصنف فی مبحث مستقل الى جعفر بن علی (ع) وهو الشبل الثانی من أشبال لبوة العرین، فیتناول الاسم من حیث اللغة والاصطلاح، حیث یرمز الاسم الى النهر المتدفق او الى الناقة الغزیرة اللبن، ویحتمل المصنف أن یکون جعفر بن قریع التمیمی وهو جد جاهلی هو أول من سمی بهذا الاسم، ومن المخضرمین هو جعفر بن أبی طالب الطیار، وأما جعفر الشهید بکربلاء عام 61 هـ، فان أباه سماه تیمنا بأخیه جعفر الطیار الشهید بمؤته عام 8 هـ.

ویتطرق المصنف فی مبحث مستقل الى عبد الله بن علی (ع) وهو الشبل الثالث، فیتناول الاسم من حیث اللغة والاصطلاح، ویستظهر المصنف من نص لأخیه العباس بن علی (ع) أن عبد الله مات دون عقب.

ویتطرق المصنف فی مبحث مستقل الى الشبل الرابع وهو عثمان بن علی (ع) المستشهد مع أخوته فی واقعة الطف، فیتناول فی البدایة الاسم من حیث اللغة والاصطلاح، فهو اسم للجان وفرخ الثعبان بل فرخ کل حیة وفرخ الحبارى أیضا، فهو اسم للحیوان واستخدم للأعلام مثلما هو اسم أسد وفهد، ثم یأتی على حیاته وسبب تسمیته، فعنده: "إن علیا (ع) إنما سمّى ابنه هذا بعثمان تکریما لعثمان بن مظعون بن حبیب بن وهیب الجمحی (ت 2 هـ)، الصحابی الجلیل وحکیم العرب فی الجاهلیة، ومن أوائل المسلمین، ومن المهاجرین الى الحبشة، والذی کان یحبه الرسول (ص) وآله حبّاً جمّاً، وهو أول من مات من المهاجرین بالمدینة وأول من دفن منهم بالبقیع".

وهنا یتحدث المصنف بشیء من التفصیل عن الأسماء والمسمیات عند عامة المسلمین، وحجم العاطفة التی تمنع هذه الطائفة أو الملة التسمیة بأسماء وتمتنع عن غیرها، وتحبیب تلک الطائفة لأسماء دون غیرها، فالحب والکراهیة مسألة: "عواطف وذکریات ومن الطبیعی أن المرء لا یختار لأولاده أسماء لها مواقف، بینما یختار الاسم الذی تربطه به علاقة حمیمة"، کما إن التسمیة الحسنة سنة نبویة، وتدخل فی عداد حقوق الولد على والده، فقد ورد عن النبی محمد (ص) أن: "من حق الولد على والده أن یحسن اسمه اذا ولد، وأن یعلمّه الکتابة اذا کبر، وان یعفّ فرجه اذا أدرک".

ویعود المصنف فی مباحث أخرى للحدیث عن السیدة أم البنین، متسلسلا مع حوادث معرکة کربلاء وما بعدها، فیشیر تحت عنوان "أم البنین تستقبل رکب الأسرى" الى ما بعد استشهاد أبنائها الأربعة ورجوع رکب الامام الحسین (ع) الى المدینة المنورة بعد رحلة الأسر الطویلة من کربلاء المقدسة الى الکوفة ثم الشام ثم العودة الى کربلاء المقدسة ثم المدینة المنورة. وتحت عنوان "أم البنین والشعر" یتحدث الکتاب عن أم البنین الشاعرة، ولکن التاریخ لم یحفظ لنا إلا مقطوعات قلیلة جدا. وتحت عنوان "مقام أم البنین" یستبعد المصنف أن یکون للسید فاطمة الکلابیة مقام فی روضة ابنها العباس فی کربلاء المقدسة، کما یذهب البعض، بلحاظ أنها ماتت فی المدینة ولم تزر قبر ولدها، والمقام إنما یصار للموضع الذی نزل فیه الولی.

وتختم المعدة الکتابَ بقصیدة أنشأها المحقق الشیخ محمد صادق الکرباسی فی فاطمة الکلابیة وبنیها. کما یقدم الکتاب ببلیوغرافیا بالکتب التی صدرت فی أم البنین مثنیا على کتاب "أم البنین سیدة نساء العرب" من تألیف الباحث مهدی محمد السویج، فهو الأول من نوعه اعتمد أسلوب الدراسة والتحلیل.