دعم الموسوعة:
Menu

 

مصنّفات ومكتبات اغتالها الجهل وأخرى نحرتها الطائفية!

 

يفتخر كل مجتمع بتاريخ أجداده، وكل أمة تدعي وصلا بليلى الحضارة، فبعض ترجع حضارتها الى نشوء الأرض، وبعض الى سبعة آلاف سنة وأخرى الى خمسة آلاف سنة، وشاهد كل حضارة أن بها ابتدأت المدينة وبها ابتدأت المدنية وشاعت الحضارة، ولا يعدم الصواب من قال بهذا، لأن المدينة والاجتماع طريقان الى التمدن والتحضر، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، ما لم تكن لغة التخاطب مرسومة ومحفورة يرجع اليها جيل بعد آخر متعلما ومطورا، ولا يكون هذا إلا بالكتابة، لأن الأذهان مهما تكن حافظتها قوية وسريعة البداهة كشريط مدمّج، فإن صحراء النسيان سيزحف عليها بمرور الزمن، فالحافظة تشحذ بما قيدته على الفخار او الورق، وكما قال النبي الأكرم محمد (ص): (آفة العلم النسيان، وإضاعته أن تحدث به غير أهله)(كنز العمال: ح 28960)، فالعلم مثل غزال في البراري لا يصيدها ولا يقيدها إلا الكتابة.

من هنا، فان الكتابة تشكل في عالم التمدن والحضارة سواراً في معصم العلم يحفظه ولا يكاد يهرب منه، ولذلك ورد في الأثر عن الرسول الأكرم (ص): (قيدوا العلم بالكتابة)(مجمع الزوائد: 1/150)، وعنه (ص) أيضا: (اكتبوا هذا العلم، فإنكم ستنتفعون به، إما في دنياكم وإما في آخرتكم، وأن العلم لا يضيع صاحبه)(كنز العمال: 1/262)، والكتابة في الوقت نفسه زينة الأمة، خُطَّ على المجتمع المتحضّر مخط القلادة في جيد الفتاة، ومن حقوق الولد على الوالد، أن يعلمه، وقد ورد عن الامام علي (ع): (أكرموا أولادكم بالكتابة فإن الكتابة من أهم الأمور وأعظم السرور)(الخط العربي الإسلامي: 222).

الكتابة توأم الوجود الإنساني
ولكن متى بدأت الكتابة؟ ومن وضع اللبنات الأولى للخطوط الشهيرة؟ وكيف بدأ تصنيع الورق؟ ومتى بدأ التأليف؟ ومن أوجد المطابع؟ وما أهم المكتبات العالمية؟ وبيبلوغرافيا الكتابة والتصنيف حول النهضة الحسينية، هذه الأمور وتفريعات كثيرة، يبحثها المحقق الدكتور محمد صادق محمد الكرباسي، في كتابه المعنون "معجم المصنفات الحسينية" في جزئه الأول، الصادر عن المركز الحسيني للدراسات في لندن، في 488 صفحة من القطع الوزيري.
وربما يتبادر الى الذهن بأن الكتابة مرحلة لاحقة على وجود البشرية، نزولا عند آراء خبراء طبقات الأرض والآثار، وخبراء التاريخ الإنساني بشكل عام، لكن المحقق الكرباسي وبالرجوع الى المرويات، يذهب الى أن الكتابة كانت معروفة عند أبي السلسلة البشرية الحالية النبي آدم (ع) عندما أوحى الله الى الملائكة أن: (اكتبوا عليه –أدم- كتابا فإنه سينسى فكتبوا عليه كتاباً وختموه ..)(الكافي: 7/378)، وكان ذلك في عام الهبوط المصادف للعام 6880 قبل الهجرة النبوية الموافق للعام 6052 قبل الميلاد. وعلى خلاف من يقول أن استعمال القلم جاء بعد فترة طويلة من نشوء البشرية، فان المحقق الكرباسي يرى أن النبي إدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، المولود في العام 6268 قبل الهجرة (5452 ق.م)، هو أول من استعمل القلم وخط به. واحتمل الشيخ الكرباسي أن يكون التأليف وتصنيف الكتب تم في عهد النبي نوح بن لمك بن متوشلخ بن إدريس (5824- 3556 ق.هـ) (5028-2828 ق.م). أما في العهد الاسلامي فان ما كتبته السيدة فاطمة الزهراء من إملاء أبيها (ص) وبعلها (ع) والمشهور بـ "مصحف فاطمة" هو أول مصنف في الإسلام احتوى: "مجموع ما سمعته الزهراء (ع) من أبيها وبعلها في التشريع والأخلاق والآداب وبعض التنبؤات" لكن البعض كما يؤكد الباحث: "أراد مع الأسف تضليل الناس، وخرجوا بذلك عن أمانة النقل والكتابة فزعموا أن المراد بالمصحف هو القرآن لجهلهم أو تجاهلهم، رغم صريح الروايات بمحتواه"، وهذا الكتاب توارثه أئمة أهل البيت (ع) واحدا بعد آخر.

نشأة الخط العربي
ولما كان الخط هو صورة الكتابة المتكونة من الحروف الهجائية، فان المؤلف تناوله في مبحث مستقل ومستفيض عن تاريخه ونشأته وتطوره وأشكاله. فالخط قديم قِدم الانسان: "وأول من تعرّف على الخط هو آدم (ع) وأول من كتب بالقلم إدريس"، وإن الخطوط القديمة أربعة: الخط الصيني، الذي انتشر في الصين، والخط المسماري الذي انتشر في دول غرب آسيا، والخط الهيروغليفي المصري الذي انتشر في مصر، والخط الهيروغليفي الحيثي الذي انتشر أكثر من سابقه. ويرى البعض أن الفينيقيين الذين استوطنوا لبنان في القرن 28 قبل الميلاد أول من اكتشف الحروف الأبجدية، ومنهم أخذ اليونانيون والإيطاليون، وفيما بعد انتشر في أوروبا وغيرها. على أن اللغات بعد حصول طوفان نوح (ع) في العام 3824 قبل الهجرة (3088 ق.م)، تشعبت وتطورت معها الحروف الأبجدية من لاتينية وصينية وسريانية وعبرية وعربية، وغير ذلك.
ويشار الى أن النبي إسماعيل بن إبراهيم المولود في بادية الشام في العام 2167 قبل الهجرة (1480 ق.م) كان يتكلم العربية، أما الخط العربي في الحجاز والى قرن قبل ظهور الإسلام لم يكن معروفا، مع التأكيد أن المعلقات الشعرية كانت ترفع على جدار الكعبة، وعندما جاء الاسلام فلم يكن يعرف الخط إلا بضعة عشر رجلا منهم الامام علي بن أبي طالب (ع) الذي أشار على أبي الأسود الدؤولي (1 ق.هـ - 69 هـ) أن يضع الحركات والنقاط على الحروف، ولذا: "يعتبر الامام أمير المؤمنين (ع) المعلم الأول للخط العربي في الإسلام، والساعي الى تطويره".
ولا يعني هذا أن معرفة العرب بالخط قريبة عهد، فالأمر متعلق بمكة وما حولها، ذلك إن: "العرب الذين كانوا مجاورين للفرس والرومان وبني حِمْيَر في اليمن والأنباط في شمال الجزيرة العربية فقد تعلموا الخط منذ زمن بعيد، على أن بعض أهالي الحجاز ممن رحلوا الى العراق أو الشام تعلّموا الخط العربي، ثم لما جاء الإسلام نشأ خط النسخ عن الخط النبطي، والخط الكوفي عن الخط السرياني". ويلاحظ في الخطوط العربية نسبتها الى الحجاز، بلحاظ أن مكة والمدينة في ذلك الحين وبخاصة المدينة المنورة كانت تمثل مدنية وحاضرة علمية يشار لها بالبنان، كما كانت المدارس الفكرية والمذهبية والفقهية تشار الى المدن التي نشأت أو حلّت فيها، وهو أسلوب لازال قائما في فنون وعلوم عدة.

الخط فن وجمال
ويعدد المحقق الكرباسي 22 نوعا من الخطوط الأصيلة والمستحدثة والتي تولّدت عن أخرى، وهي:
- خط الإجازة: مشتق من الثلث والنسخ.
- الخط الأندلسي: ويسمى بالخط القرطبي وهو مقوس الأشكال.
- الخط البصري: اشتهر فيه الحسن بن يسار البصري (21-110 هـ) الذي يعتبر من المجوّدين في الخط بعد الامام علي (ع)، ويعتقد أن الخط البصري تم تطويره من الكوفي.
- الخط البغدادي: نشأ في العهد العباسي الى جانب خطوط أخرى كانت تستعمل لوظائف معينة بخاصة في دواوين الحكم، وفي عهد المأمون عبد الله بن هارون العباسي (ت 218 هـ) ازدادت الخطوط الى عشرين.
- خط التاج: ابتدعه الخطاط المصري محمد محفوظ للملك فؤاد الأول (1868-1936م) في العام 1930م، لكن الكرباسي يذهب إلى أنَّ هذا الخط لا يعد مستقلا بذاته لان علامة التاج: "من العلامات التي يمكن وضعها على كافة أنواع الخطوط".
- خط التعليق: ابتدع قواعده الحسن الفارسي (288-377 هـ)، من أقلام النسخ والرقاع والثلث.
- خط الثلث: وضع قواعده الوزير والكاتب محمد بن مقلة (ت 328 هـ)، وهو منحدر من الخط الكوفي.
- الخط الحديث: من خطوط عهد الحداثة، يستعمل الكاتب خطوطا هندسية مكعبة وخطوطا مدموجة فتصبح الكلمة وحدة شكلية وصيغة زخرفية مستقلة.
- الخط الحر: لا يتقيد الخطاط فيه بشكل معين وهندسة خاصة وإنما يخط الحرف حسب ذوقه مع الأخذ بالاعتبار عامل التناسب بين الخط ومدلوله.
- الخط الحيري: نسبة الى مدينة الحيرة بالعراق ويسمى بالحِمْيَري أيضا، لانتقاله من ملوك التبابعة الحِمْيَريين إلى أصهارهم المناذرة، وأدرك ظهور الإسلام لكنه تراجع أمام الخط الكوفي.
- الخط الديواني: سمي بذلك لكثرة استخدامه في دوائر الدولة (الدواوين)، وينسب في وضعه إلى إبراهيم بن منيف التركي (ت 860 هـ) في عهد السلطان محمد فاتح العثماني الذي تولى الحكم في العام 855 هـ (1451م).
- خط الرقعة: يُنسب الى القصاصة من الورق واشتهر في كتابة الحِكَم، ويصعب نسبته الى شخص بعينه إلا انه عثر على نصوص بخط الرقعة ترجع في تاريخها الى العام 886 هـ (1481م)، على أنَّ خط الرقعة المتداول اليوم ينسب في وضع قواعده إلى المستشار ممتاز بك مصطفى أفندي حوالي العام 1280 هـ (1863م)، وقد يسمى "ديواني رقعة" بوصفه من مشتقات الديواني.
- الخط الريحاني: تتداخل حروفه بما يشبه أعواد الريحان، ويرى المحقق أن هذا الخط منشأه من الديواني او الثلث، ولذلك لا يصح تفرده بخط مستقل.
- خط شكسته: أي المكسور، معربة عن الفارسية، حيث لا يرسم الكاتب الحرف كاملا ويرجع بواضع قواعده الى الخطاط محمد شفيع الحسيني المشهور بشفيعا المتوفى عام 999 هـ (1590م).
- خط الطومار: نسبة الى الصحيفة الطويلة وهو على ثمانية أقسام.
- الخط الكوفي: ناشئ عن الخط السرياني، ومن أقدم الخطوط العربية، استعمل في كتابة القرآن الكريم لقرون عدة، وقد استعمله النبي محمد (ص) في تدوين آيات القرآن الكريم عندما كان يسمى بالحيري.
- الخط المدني: نسبة الى المدينة المنورة، وظهر في عهد الخلافة (11-41 هـ)، وأقدم وثيقة منه تعود الى العام 22 هـ، ويستنتج المحقق انه من مولدات الخط الكوفي المسمى بالتحرير وبالدارج.
- الخط المغربي: نسبة الى المغرب الاسلامي ويقال له الأفريقي، وهو مشتق من الخط الكوفي، ومن الخط المغربي اشتق: خط القيروان والأندلسي والتونسي والجزائري والفاسي والسوداني والسنغالي.
- الخط المكّي: نسبة الى مكة المكرمة، وهو أول الخطوط العربية يليه المدني ثم البصري ثم الكوفي.
- الخط النبطي: نسبة الى قبائل النبط البدوية العربية، تعلموه من مدينة حوران الشامية.
- خط النستعليق: نسبة الى النسخ والتعليق، ازدهر في ايران في القرن الخامس عشر الميلادي وكذلك في تركيا.
- خط النسخ: نسبة الى استنساخ المصاحف على صورته، وهو ناشئ عن الخط النبطي، وطوره السوريون، ولوضوح رسمه وبداعته وكتابة القرآن به سمي بالجليل والبديع والقرآني، وهو على ثمانية أقسام.
في الواقع أن الخط هو فن وجمال، ورسم الحروف وتشكيل الكلمات يُمثل لوحة فنية تشرح الفؤاد وتسر النفس، وإذا كتبت الحكمة بخط جميل ناغت شغاف القلب سِراعا، ولذلك وحتى يضع المحقق الشروحات أمام مقلتي القارئ ختمها بعبارة للإمام الحسين (ع): (إن لم يكن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم)(مقتل الحسين للمقرم: 225)، رسمت بالخطوط الشهيرة.

الكتاب وصناعة الورق
ويستقل الكتاب بمبحث عن "الورق وصناعته"، حيث يرجع تاريخ صناعته الى العام 532 قبل الهجرة (105م)، وانتقل الى سمرقند في العام 751م، ومنها الى طرابلس الغرب، وفي عهد دولة بني عمار (1070-1109م) في لبنان كان هناك مصنع لصناعة الورق أحرقه الصليبيون، ثم انتقل من طرابلس الى شمال أفريقيا حتى وصل إسبانيا في العام 1150م، ثم الى أوروبا، ومن ثم الى أميركا في العام 1690م.
والورق على أنواع: الفرعوني نسبة الى فرعون، والسليماني نسبة إلى سليمان بن راشد الذي تولى خراج خراسان في عهد هارون بن محمد العباسي (170-193 هـ)، والجعفري نسبة إلى جعفر بن يحيى البرمكي (150-187 هـ)، والطلحي نسبة الى طلحة بن طاهر ثاني سلاطين الدولة الطاهرية في خراسان مطلع القرن الثالث الهجري، والطاهري نسبة الى السلطان طاهر الثاني رابع سلاطين الدولة الطاهرية، والنوحي نسبة الى نوح الساماني ثالث أمراء الدولة السامانية في بخاري في القرن الرابع الهجري، والبغدادي نسبة الى مدينة بغداد، والشامي نسبة الى الشام، والحموي نسبة الى مدينة حماه، والمصري نسبة الى مصر، والسلطاني او التيموري نسبة الى سلاطين الدولة التيمورية (807-905هـ). ولكل نوع حجمه، وهي على ستة قياسات، استقلت عالميا في ثلاثة.
وفي مبحث مستقل، يتناول المؤلف موضوعة الكتاب ومتعلقاته، فالكتاب من حيث المعنى هو الجمع وسمي الخط كتابة لجمع الحروف بعضها الى بعض، وفي الاصطلاح فان المعنى العام: "يطلق على كل ما خُط بالقلم وما شاكله" وفي المعنى الخاص: "يُطلق على المُصنّف والمؤلَّف"، والأخير هو مدار البحث، فيتعرض المؤلف الى "حجم الكتاب" والقياسات المستحدثة القديمة والحديثة منها، ولكل قياس حجمه، يشار اليه باسم خاص، والأسماء هي: البغدادي، البياضي، التمائمي، الثُمن، الجيبي، الحمائلي، الخشتي، الربع، الرحلي، الرقعي، السلطاني، العِمّي، الكف، المعطفي، وأخيرا الوزيري الذي يتم تداوله اليوم بكثرة وهو قياس 17 في 24 سم.

التأليف حياة الأمّة
ولأن الكتاب الذي بين أيدينا يختص بالمصنفات، كان من منهجية الدكتور الكرباسي، أن يتناول في مبحث مستقل، مسألة التأليف والتصنيف والكتابة، وما اشتهر بحق التأليف وحقوق الطبع من حيث العرف والشرع، والأمور المتعلقة بالكتابة.
فالتأليف من حيث اللغة هو: "الجمع بين الشيئين او الأشياء بعد تفرقها، وفي الاصطلاح: "الجمع مع التنظيم أو التركيب مع الترتيب". أما التصنيف حيث كان القدامى يستخدمون كلمة الكتابة بدلا من التأليف ثم استخدموا كلمة التصنيف، فهي تعني: "الشيء اذا جعله أصنافا وميّز بعضه عن بعض" وعند أهل الاختصاص: "الكتاب اذا ألّفه ورتّبه"، ويُستخدم التأليف والتصنيف ككلمتين مترادفتين، والتأليف أعم من التصنيف، على أن التصنيف فكرة قديمة جدا وفطرية، ويشار الى أرسطو (aristotle's) (ق.م384-322) كأول مصنَّف للعلوم والمعارف حيث: "قسّم العلوم الى نظرية وعملية وإنتاجية"، كما يشار الى جابر بن حيان الكوفي (120-198 هـ) بوصفه: "أول من صنَّف العلوم في الإسلام ووضع فيه كتابا".
ومن الطبيعي أن يكون للكاتب حق فيما كتب وألف وصنف، وهو الحق الذي شاع بعد شيوع الطباعة الحديثة، وقد نص القانون الفرنسي ولأول مرة في العام 1791م على حق التأليف، وفي العام 1887م وُقِّعت في مدينة بيرن السويسرية معاهدة دولية للاعتراف بحق التأليف ولتبادل حقوق النشر، وفي العام 1952 أقرّت 45 دولة معاهدة عالمية لحقوق النشر.
ويرى الفقيه الكرباسي، إن: "حق التأليف وما شابهه، من الحقوق العرفية التي لا تتعارض مع الشرع، ناشئ عن بذل الجهد في التأليف أو الترجمة أو التحقيق أو الرسم أو ما شابه ذلك، ومن المعلوم أن العقل والشرع يقران ذلك الحق"، ومن الطبيعي أن هذا الحق عند طباعة الكتاب قابل لكل أشكال البيع والشراء او الوقف او الهبة، ولا يطبع الكتاب او يعاد طبعه إلا بإذن صاحبه او ضمن توافقات خاصة، وهذا الحق يتوارث، أما اذا أسقط الكاتب حقه فلا يجوز له أن يعود عن ذلك، ولا يجوز احتكار الكتاب اذا كان ضروريا للناس.
وفي بحث فرعي يتناول المؤلف "الكتاب ومصطلحاته" ويشرح المفردات المتداولة في الكتاب، وهي: الاختزال، الاختصار، الإشراف، الإعداد، الإقتباس، الإنجاز، التحريف، التحقيق، الترجمة، التصحيح، التصحيف، التعريب، التنقيح، القلم، المراجعة، المراقبة، المُستل، المنسّق، وأخيراً النقد، وهنا لابد من الإشارة بان: "أول مؤسسة تخصّصت بالتحقيق في لبنان كانت مؤسسة الوفاء للتأليف والتحقيق والترجمة، التي تأسست في آخر سنوات القرن الرابع عشر بشكل رسمي"، على يد المؤلف نفسه.

من المطبعة الى المكتبة
رحلة الكتاب من المطبعة الى المكتبة، يسجلها قلم المحقق الكرباسي، بخطوطها العامة، مقدما للقارئ رؤية عامة عن الطباعة وتاريخها، وعن تجليد الكتاب ونشره، وعن المكتبات وتاريخها وعن فن تنظيم المكتبات، واهم المكتبات في العالم قديما وحديثا وما حلّ في بعضها من خراب. فطباعة الكتاب بدأت فكرتها عند الصينيين في القرن السادس الميلادي، وظهرت عندهم في العام 932م، ثم طورت حروف الطباعة في كوريا، ثم طورها الألماني جوهانس جوتنبيرغ (gutenberg johannes) (م1400-1468)، في العام 1450م، وبعد أربعين عاما دخلت المطبعة العربية استانبول، وفي القرن السابع عشر الميلادي دخلت المطبعة الوطن العربي والمتمثلة بمطبعة دير قزحيا اللبنانية، وفي العالم الاسلامي دخلت المطبعة الهند أولا ثم ايران التي دخلتها في العام 1636م المتمثلة بمطبعة جُلفا من توابع مدينة اصفهان، وفي العراق فأن مدينة كربلاء المقدسة شهدت أول مطبعة في العام 1856 ثم تلتها الموصل.
ولما كان الكتاب مسايرا لنشأة البشرية، فان المكتبات او ما كان يسمى بخزائن الكتب او بيت الكتابات نشأت مع الانسان، وتطورت مع تطوره، وكانت بعضها أهلية وشخصية واغلبها ملوكية، ومع مرور الزمن وتشعب العلوم وما تبعه من زيادة في التأليف إن كان على الفخار او الخشب او الجلد او الورق، ازدادت الحاجة الى تنظيم المكتبات، وأصبح فنا مستقلا، ولذلك يشار الى أمين مكتبة بوسطن الاميركية ملفيل ديوي (melvil dewey) (م1851-1931) كأول خبير مكتبات ينشئ في العام 1887م أول مدرسة لتدريب العاملين فن تنظيم المكتبة.
أما أهم المكتبات في العالم، فهي:
- مكتبة آشور بانيبال: أسسها الملك آشور بانيبال في القرن السابع قبل الميلاد، وكانت تحوي على ثلاثين ألف لوح من الطين مصنفة ومفهرسة.
- مكتبة الاسكندرية الكبرى: أنشاها بطليمس الأول (360-283 ق.م)، وكان فيها نحو 400 ألف لفافة متنوعة ونحو 90 ألف لفافة مفردة، أي لمصنف واحد ومؤلف واحد، وتعرضت للتخريب بعد أن دخلها عمرو بن العاص في العام 19 هجرية حيث امتثل لأمر الخلافة ووزع كتبها على الحمامات كمواقد لنيرانيها، ولكثرتها استغرقت العملية ستة اشهر!
- مكتبة البروكيوم: أسسها بطليمس الثاني (283-246 ق.م) في أحد أحياء الاسكندرية نسبة الى المنطقة، وبلغ مجموع المؤلفات 43 ألف كتاب من لفائف البردي، وفي العام 48 ق. م تعرضت الى حريق هائل التهمت النيران نحو 400 ألف مجلد.
- مكتبة بيت الحكمة: أنشأها المأمون عبد الله بن هارون العباسي (198-218 هـ) في بغداد، وكان نواتها الكتب التي ترجمت في عهد المنصور عبد الله بن محمد العباسي (136-158 هـ).
- مكتبة دار العلم الطرابلسية: أنشأها أمين الدولة العماري في طرابلس الغرب في العام 1065م، جمع فيها ما يزيد على 100 ألف كتاب، وخلال حكم بني عمار بلغ عدد الكتب نحو ثلاثة ملايين كتاب، تعرضت للتخريب على يد الصليبيين في العام 1109 وهو نهاية حكم أسرة بني عمار، حيث أحرقوها عن آخرها.
- مكتبة دار العلم القاهرية: تم فيها تجميع خزائن كتب الدولة الفاطمية في مدينة القاهرة التي أسسها الفاطميون في العام 969م، وكانت مكتبة القصر لوحدها تضم 601 ألف كتاب، تعرضت للتخريب التام في العام 1163م عندما استولى يوسف التكريتي الشهير بصلاح الدين الأيوبي على القاهرة، وجعل جلود الكتب نعالا وأحذية للعبيد والإماء! واستمر في بيع محتوياتها لسنوات عشر، مما يشعرك بحجمها وضخامتها.
- مكتبة دار العلم المراغية: أسسها نصير الدين محمد بن محمد الطوسي (597-672 هـ) في مدينة مراغة من بلاد آذربيجان، وتجاوز عدد كتبها 400 ألف كتاب.
- مكتبة الفاتيكان: أنشأها البابا نيقولا الخامس (pope nicholas v)(800- 859 هـ = 1397-1455 م) في العام 851 هـ (1447م)، وتضم 350 ألف مطبوع لاتيني و20 ألف كتاب يوناني والآلاف من الكتب باللغات الشرقية.
- مكتبة الكونغرس: أُنشئت في مدينة واشنطن في العام 1800م ويبلغ طول رفوف الكتب 280 كيلو مترا، تضم نحو 9 ملايين كتاب.
- مكتبة لينين: أُسست في موسكو في العام 1924م، ضمت في منتصف القرن العشرين نحو 14 مليون كتاب.
- مكتبة المتحف البريطاني: أُنشئت في العام 1853م في العاصمة لندن، وكتبها بالملايين وبلغات كثيرة ومنها العربية.
- مكتبة المداين: أنشأها الفرس في العراق، وبعد فتح العراق، وتنفيذا لتعاليم سدة الخلافة رمى سعد بن أبي وقاص الزهري (ت 55 هـ) بكتبها في الماء واحرق البقية.
- مكتبة نیپور: أُنشئت في جنوب العراق في بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد، وهي أقدم مكتبة، ضمت نحو ثلاثين ألف وثيقة إدارية وأخرى في علوم مختلفة منقوشة على ألواح من الصلصال.
- مكتبة نينوى: أُنشئت في مدينة نينوى شمال شرق العراق في عهد الملك سرجون الثاني في مطلع القرن الثامن قبل الميلاد، كانت تضم 25 ألف لوحة مسمارية.
- مكتبة نيويورك العامة: أُسست في نيويورك ولها في المدينة وحدها 65 فرعا، تحتوي خمسة ملايين مجلد.
- المكتبة الوطنية الفرنسية: أُنشئت في باريس، وتضم نحو 6 ملايين كتاب.
في الواقع إن المكتبات خزين معرفي لا يعرف قيمتها إلا أهلها، ولذلك فلا عجب أن يكون في بريطانيا مثلا مكتبات عدة في كل حي من أحياء لندن تابعة لمؤسسات الدولة، ولا تملك مدينة كربلاء مثلا إلا مكتبة عامة واحدة فقط! في حين أن المدينة مقدسة يقطنها أكثر من ثمانمائة ألف إنسان ويؤمها الملايين كل عام لزيارة الأمام الحسين (ع) وأخيه العباس (ع)، وقس على ذلك باقي المدن العربية والإسلامية!

هذا المعجم
يشار الى أنَّ فرز الكتب وتصنيفها، فن قديم مارسه المسلمون، بخاصة بعد أن ازدادت التأليفات، وأول من أفرز كتابا خاصا هو أحمد بن طيفور البغدادي (204-280 هـ) صاحب كتاب بلاغات النساء، ثم تبعه ابن النديم محمد بن إسحاق البغدادي (297-385 هـ).
والمعجم الذي بين أيدينا عنى بالكتب المؤلفة في النهضة الحسينية خاصة او أفرد كتاب ما فصلا عنها، أفرزها المحقق الكرباسي وتثبت من الكتب والمؤلفات والمصنفات التي كتبت في النهضة الحسينية ومن وحيها باعتماد جدول يضم اسم الكتاب والمؤلف واللغة والحجم وعدد الصفحات وعدد الأجزاء والطبعة وتاريخها والناشر وموضوعه ونبذة مختصرة عن الكتاب تضع القارئ في جو الكتاب، معتمدا في تنظيم المعجم على الحروف الهجائية. كما إن هناك معجمين أخريين مستقلين أحدهما يصنف للكتابات الحسينية المتفرقة في الكتاب الواحد، وآخر للمقالات والمحاضرات.
ويعتقد المصنف أن ما تجمع لديه من مؤلفات حول النهضة الحسينية رغم جهود مضنية وبحث في البلدان استغرق عقود عدة، يمثل نسبة النصف، بخاصة وان الكثير من المصنفات تعرضت للحرق او الطمر بسبب ظلم السلطات، كما أبدى أسفه لأن عددا غير قليل من المكتبات العامة والخاصة لم يبد أصحابها تعاونا مع دائرة المعارف الحسينية، مما يفضي من حيث يشعرون أو لا يشعرون الى التعتيم على النهضة الحسينية والإحجام عن نشرها، وتعمية البشرية من الاستضاءة بنور الامام الحسين (ع).
وضمّ هذا المعجم 165 كتابا يبدأ بحرف الهمزة وينتهي بحرف الألف ثاء. وهو يحمل الرقم التسلسلي (264) من 29 جزءاً من سلسلة دائرة المعارف الحسينية في 600 مجلد، والتي صدر منها حاليا 34 مجلداً.

وأخيراً
كما هو دأبه أنهى المحقق الكرباسي الكتاب بمجموعة فهارس كاشفة، يطالع القارئ من خلالها: فهرس الأعلام والشخصيات، القبائل والأنساب والجماعات، الأشعار والأوزان، التأريخ، اللغة، الآيات المباركة، الأحاديث والأخبار، مصطلحات الشريعة، المصطلحات العلمية والفنية، الطوائف والملل، الوظائف والرتب، الآلات والأدوات، الإنسان ومتعلقاته، الحيوان ومتعلقاته، النبات ومستحضراته، الفضاء ومتعلقاته، الأرض ومتعلقاتها، المعادن، الأماكن والبقاع، الزمان، الوقائع والأحداث، المؤلفات والمصنفات، المخطوطات والمصورات، الخزائن والمكتبات، موضوعات المصنفات، مؤسسات النشر والمطابع، اللغات، المؤلفين للكتب الحسينية، تاريخ الطباعة، أحجام الكتب، المصادر والمراجع، مؤلفي المراجع.
ولرغبته التامة في إشراك أعلام المدارس الفكرية والدينية غير الاسلامية في إبداء وجهات نظرهم في النهضة الحسينية بعامة وبأجزاء الموسوعة بخاصة، ضم نهاية المعجم قراءة نقدية باللغة الأردوية بقلم الدكتور رام روشن جيكمار وهو هندوسي باتستاني، قال فيها: "أنا لست بمسلم، ولكني في الوقت نفسه مسلم، أنا مسلم للحسين، مسلم للإمام العظيم الذي أنار طريق الإنسانية وأرشدنا الطريق الذي يوصلنا الى منازل الحرية" وأضاف الدكتور جيكمار: "لقد بذل المؤلف أقصى جهده في معجم المصنفات الحسينية"، ولأن شخصية الموسوعة كونية، إقترح: "بأن تترجم جميع أجزاء الموسوعة الى اللغة الاوردية، كي يستفيد منها كل من ينطق باللغة الاوردية في العالم". وهو إقتراح بنّاء لا اعتقد أن إمكانية المؤلف المادية قادرة على تلبيته بعد أن تعثرت في طباعة المجلدات العربية نفسها.

السبت 17/3/2007 م 28/2/1428 هـ